الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية رسالة مفتوحة إلى السيد مهدي جمعة

نشر في  26 مارس 2014  (10:13)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

من يشخّص حالة تونس دون تزييف، لابدّ  أن يعترف بأنّ بلادنا في مأزق أمني واقتصادي وثقافي رهيب، وذلك رغم بعض التحسن الطفيف.
فعلى الصّعيد الأمني هناك حرب شنتها بعض الميليشيات العنيفة وبعض السياسيين الدّينيين المتشدّدين ضدّ هوية تونس الوسطية واستقرارها وأمنها.. في هذه الظروف الصعبة، وفي انتظار تهديدات ومخاطر أكبر يجوز أن نطرح سؤالا جوهريا وهو التالي:
هل لكلّ القيادات السياسية والأمنية ورجال القضاء العزم المطلوب والتجهيزات ومخطّط واضح للقضاء على العنف والارهاب؟ لقد وقع الضغط على المؤسّسة الأمنية ثمّ توظيفها من قبل حزب سياسي حتى تكون الرّادعة للديمقراطيين والحقوقيين والإعلاميين وذلك بعد أن وقع اختراق الأمن من المتشدّدين وبعض الضباط الموالين للنظام البائد والذين أصبحوا من أنصار الحزب الحاكم.. ثم تغيّرت نسبيا ردود فعل وزارة الداخلية عندما أعلنت الحكومة الأمريكية انّ «أنصار الشريعة» منظّمة ارهابية وكذلك بعد أن هدّدت هذه الجماعة استقرار تونس وأمنها، فكان أن شرعت السلط التونسية في التصدّي للإرهاب.. لكن رغم كل هذا وبلا لف أو دوران ولا محاسبة لسياسة السيدين حمادي الجبالي وعلي لعريض اللذين كانا متسامحين بصفة تثيرالغرابة مع العنف وانتشار الأسلحة ومظاهرات أنصار الشريعة، نعتقد أنّ تونس بحاجة اليوم إلى قيادة سياسية تجعل من مكافحة العنف والارهاب خيارها الأوّل والرئيسي.. وفي هذا السياق نشير إلى وجود انتقادات جدّية لبعض المديرين الذين عيّنهم علي لعريض في وزارة الدّاخلية والحرس والذين يبدون وكأنّهم يعرقلون الحرب على العنف والارهاب.. وأنا كمواطن، أقترح عليكم إقالة كلّ المسؤولين الأمنيين المشكوك في ولائهم لتونس والمتواطئين مع حزب ولو أدّى ذلك إلى تقديم استقالتكم إذا عارضت أحزاب وكتل في المجلس التأسيسي قراركم، والثابت أنّ موقفكم سيحسب لكم في الانتخابات القادمة، فلا تتعاطوا «البوليتيك» ولا تخشوا أيّ حزب كلّما تعلّق الأمر بأمن ومصلحة تونس ومكافحة الارهاب، ثم لا تخضعوا لخطاب بعض السياسيين الذين يتحجّجون بحقوق الإنسان عند إيقاف مجرم أو متشبه فيه وكأنّهم يريدون ان يتعامل الأمنيون مع الارهابيين وبأيديهم ورود وحلويات! انّ احترام حقوق النّاس لا يستحقّه من ذبح جنودنا وبثّ الرعب في نفوس المواطنين و لو أنّ هذا لا يعني السّماح بالتعذيب! وكم أستغرب تصرّفات «مسؤولين» سياسيين و«حقوقيين» تونسيين فهم بما يفعلون يخدمون مصلحة الارهابيين ويحمونهم عندما يتدخّلون لإنقاذ حلفائهم!
وهل ننسى كيف عاب السيد لطفي بن جدو ـ عن حق ـ عدم تعامل وزارات العدل والشؤون الدّينية والتكنولوجيا بجدّية مع المؤسّسة الأمنية وأحسن دليل على ذلك مواصلة أيمة متشدّدين دعواتهم الى الفتنة والجهاد كما انّ اطلاق سراح بعض القضاة لمتهمين بالارهاب أمر يثير الحيرة والشكّ!
ثمّ كلمة أخيرة عن مراجعة التعيينات، فلا سبيل لتنظيم انتخابات نزيهة ما لم يقع تغيير المسؤولين في الإدارة من عمد ومعتمدين ورؤساء مديرين عامين نافذين، كما انّ مراقبة المال السياسي أمر في منتهى الأهمية.
وأمّا رئيس الجمهورية المؤقت فليست له أية صلاحية للحضور في الاجتماعات المضيّقة التي تهمّ أمن تونس، فاعمل كرئيس وزراء على حماية تونس من المخاطر التي تتهدّدها اليوم وغدا ولا تخضع لأحد!
وبالنسبة الى الملفّ الاقتصادي،  حذار من القرارات الموجعة التي تضرّ بالطبقة الوسطى وبفقراء هذه البلاد، وهنا لا بأس من التحاور مع اتحاد الشغل واتحاد الأعراف قبل اتخاذ أهم القرارات لأنّه في غياب سلم اجتماعيّة ودون طمأنة الأعراف لا يمكن لأيّ سياسة اجتماعية أو اقتصاديّة ان تنجح.. وفي هذا الصدد أقترح عليكم مكافحة غلاء المعيشة والتهريب وذلك بالتصدّي لكبار الفاسدين المرابطين على الحدود وأيضا لبعض أصحاب المخازن المكيّفة، مع العلم أنّ أسماءهم يعرفها كل المسؤولين الأمنيين والسياسيين في الولايات، لكن هناك تخاذل وتواطؤ غريبان يحميان هذه العصابات ويسمح لهم بمواصلة إجرامهم الاقتصادي بكل راحة بال.. كلّهم يعملون في إطار «عدم وجود دولة» لأنّهم محميون من سياسيين يستغلونهم لردع الديمقراطيين أو المعارضين الجديين أو خلال الانتخابات.. انّ الضغط على الأسعار يجب أن يكون من أوليات الحكومة..
وفي سياق متّصل نعتقد أنّ موضوع صندوق التعويض يحتاج إلى  حوار وطني فوري  حتي لا تبدو الحكومة وكأنّها اليد  النافذة لإرادة البنك الدولي التي لا تراعي مصالح ضعفاء الحال وحاجياتهم في الصحّة والتعليم!
وعلى مستوى الجهات والتشغيل، لماذا لا تقرّرون منح الولايات صلاحيات أوسع تسمح لها باختيار المشاريع والتصرّف في التشغيل وتحديد السياسة الاجتماعيّة والاقتصادية والثقافية،  ولماذا لا تخصّصون جزءا هامّا من مداخيل الثروات الطبيعية لهذه الولايات التي تشعر أحيانا وكأنها مستعمرة؟ وأكبر الخطأ هو انّ العاصمة مازالت المتحكّمة في الولايات التي تحتاج ـ وأكثر من أي وقت مضى ـ إلى استقلاليّة حقيقيّة!
..وفضلا عن ذلك هناك مشاكل أخرى عديدة مثل الجباية والتهرّب الجبائل ونظام Forfait وطيّ صفحة رجال الأعمال الذين يقع ابتزازهم من قبل أحزاب والمديونية التي توظّف قروضها للاستهلاك وترفيع الأجور وتأمين التعويضات علما أن وضع السياحة بدأ ينتعش مع الوزيرة الناشطة آمال كربول، كما من الواجب توضيح علاقات تونس مع الشركات المستغلّة لثرواتنا النفطية وغيرها، وهذه مسألة يشوبها غموض غريب..
إنّي أعلم حق العلم أنه ليس لكم الوقت الكافي لفضّ جزء كبير من هذه المشاكل لكنّنا متأكّدون أنكم لن تدخروا جهدا لذلك حتى لو حاول بعض الساسة الفاشلين عرقلة جهودكم وجهود حكومتكم!
كلمة أخيرة تخصّ الثقافة المهدّدة من المتشدّدين: انّنا في انتظار اهتمام جدي بهذا القطاع لأنّ تغييبه يغذي الارهاب والحيرة.. كما انّ مدينة الثقافة التي تعطلت أشغال انجازها هي من أكبر أخطاء الحكومات السابقة.. فليتك تدعو المثقّفين والفنانين للاستماع إليهم فهم أحيانا أكثر نفعا من السياسيين!